الأحد، 23 ديسمبر 2012

من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في بناء الأمة ..



حتى لا يطول الجدل ويتكرر الكلام : كلمتين مختصرتين لتشخيص الأزمة

 : إن أزمتنا الحقيقة أننا أصبحنا نزن الأمور كلها بموازين السياسة الدنيوية ، وتركنا ما أمرنا الله به 

 (((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)))

وقد جعل الله تبارك وتعالى في حياة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأحداث ما يكفي أهل الإسلام إلى قيام الساعة لتلمس التطبيق النبوي لهدي القرآن في أي مرحلة من مراحل الصراع مع الباطل وبكل الطرق ، فقد استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الوسائل : من حرب الهجوم والدفاع والتبييت والمهادنة والمعاهدة والخديعة في الحرب والدعوة السلمية والحصار والاغتيال والمراسلة والهدايا ... إلى آخر هذه الوسائل ؛ لتوضيح أوقاتها وضوابطها ، ببراعة مذهلة ودقة بالغة سدده فيها وحي الله له ليكون القدوة في كل هذه الأمور التي انتظمها القرآن العظيم أروع انتظام

لكن دار الزمان دورته ، والتمس المسلمون فنون السياسة في كتب العلوم السياسية ، ونسوا المنهل العذب الزلال في سيرة خير الخلق صلى الله عليه وسلم ليتعلموا منه صلى الله عليه وسلم إن كانوا في وقت استضعاف وتتكالب الأمم عليهم : كيف يُنشئون دولتهم 

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة مُضطهداً هو وأصحابه ، حتى أمرهم بالهجرة إلى الحبشة مرتين فراراً من بطش قريش ، فخرج من خرج ، كما بقي من بقي تحت بطش قريش .. ودار الزمان وتكرر المشهد : فخرج من خرج من مصر فراراً من بطش مبارك وزبانيته ، وبقي من بقي تدور عليه آلة العذاب .. فمن كانت له منعة وعصبة كان أهون عذاباً من غيره 

وكان صلى الله عليه وسلم يبحث عن من يحميه وأصحابه من أذى قريش حتى يُبلغ دين الله ، فهو لا يسعى لملك ولا رياسة ، وإنما يريد من الملك إقامة العبودية .. فكان يخرج في المواسم يقول للناس : من يؤويني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة ؟

وفي أحد المواسم قابل وفد "بني شيبان بن ثعلبة" ، وعرض عليهم دعوته ، فاستحسنوها ، وقرأ عليهم القرآن فأعجبوا به جداً ، وقصتهم طويلة ورائعة أقتصر منها على نهايتها ، حيث قال له "المثنى بن حارثة" أحد كبرائهم : سمعت مقالتك يا أخا قريش ، والجواب فيه جواب "هانىء بن قبيصة" في تركنا ديننا ومتابعتك على       دينك ، وإنا إنما نزلنا بين صريين : اليمامة ، والسمامة  

فقال عليه السلام :

 ((ما هذان الصريان ))

فقال "المثنى" :  أنهار كسرى ، ومياه العرب .. فأما ما كان من أنهار كسرى : فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول .. وأما ماكان مما يلي مياه العرب : فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول .. وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا .. وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا قرشي مما يكره الملوك .. فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب : فعلنا

: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق .. وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه

وانصرف صلى الله عليه وسلم

واستمر في عرض نفسه على القبائل كل عام ، حتى أتاه وفد الأنصار
ولما هم الرسول ببيعتهم قال "أسعد بن زرارة" : يا معشر الخزرج : هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟ إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس !! وأن ترميكم الناس عن قوس واحدة !! وقتل خياركم !! فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبةً وأشرافكم قتلاً أسلمتموه : فمن الآن ؛ فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة .. وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف : فخذوه ؛ فهو والله خير الدنيا والآخرة

 : قالوا 

فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف .. فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا بذلك ؟

 : قال  

((الجنة))

 :قالوا  

ابسط يدك .. فبسط يده ، فبايعوه 

فالوعد الوحيد لهم : الجنة ، لا تمكين الدنيا
والثمن واضح : حرب الأحمر والأسود من الناس ، وأن ترميكم الناس عن قوس واحدة ، وقتل خياركم
والطريق : حياطة الدين من جميع جوانبه

وكان يمكن له عليه السلام أن يقبل بيعة بني شيبان بن ثعلبة ولو مؤقتاً ، على اعتبار أنه يُعذب من قريش الآن ، ويحتاج الحماية منهم فقط ، وماله وكسرى ؟؟

لكنه درس مهم لنا : ألا تتنازل في إقامة دولتك ، ولا تقمها إلا على أيدي رجال يحوطون دين الله من جميع جوانبه ، فلن تقوم دولة الإسلام إلا على أيدي هؤلاء .. ولا تبتغي رضا "كسرى" ولا غيره من إمبراطوريات الكفر مهما بلغ جبروتها ؛ فلن يرضوا عند أبداً كما قال سبحانه : (((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم))) ، فعلق رضاهم بالانسلاخ من الدين ، فاعلم أنهم إن رضوا عنك فقد انحرفت عن دينك قطعاً بنص القرآن

والروم (أوروبا وأمريكا) أخطر من كسرى ؛ ففي صحيح مسلم أن "المستورد القرشي" قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((تقوم الساعة والروم أكثر الناس)) ، فقال "عمرو بن العاص" لـ"المستورد" : ((لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالاً أربعاً : إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ، وأوشكهم كرة بعد فرة ، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف ، وخامسة حسنة جميلة : وأمنعهم من ظلم الملوك))
فالروم لا تستخفهم الفتن لحلمهم ، وإذا أصيبوا بمصيبة أفاقوا منها بسرعة ، وإذا انهزموا كانت عودتهم للانتقام سريعة .. فلا تأمن خداع ودهاء قوم كانت هذه صفاتهم

بل قبل كل هذا عرضت قريش على رسول الله عرضاً لو عُرض على ساسة اليوم لرأوه فرصة لابد من اهتبالها ، فقد عرضوا عليه أن يعبدوا إلهه سنة ويعبد إلههم سنة ، فكان من اليسير أن يوافق على أن يبدوا بعبادة إلهه أولاً : فتكون الفائدة أن رُفع العذاب عن المؤمنين سنة كاملة ، ورُفعت فيها القيود عنه لتبليغ دينه ، فيشتد عود المؤمنين في هذه السنة ، حتى إذا انتهت : كانت شوكة المسلمين قد قويت ، فينبذ إليهم عهدهم إن لم يكونوا قد آمنوا أصلاً جميعاً أو آمن كبراؤهم على الأقل .. لكنهم أبى صلى الله عليه وسلم رغم أنه ما كان سيخسر في نظر من ينظر إلى الأمر بمقاييس السياسة

لكن سياسة المسلمين لا تُتعلم في مناهج العلوم السياسية الدنيوية ، وإنما تُتلقى من الوحي المعصوم عن رب العزة تبارك اسمه ، وقد علم الله رسوله قاعدة سياسية فاصلة في عقيدة المسلمين ، فقال سبحانه : (((ودوا لو تُدهن فيدهنون))) ، يعني : ودوا لو تتنازل عن شيء قليل من الحق الذي معك وسوف يتنازلون هم أيضاً عن أشياء مما معهم للوصول إلى حل "توافقي" ترضون به جميعاً

 : لكن الله ثبت الرسول كي لا يقبل بهذا التوافق الذي يرضى به أهل الدنيا إذا لم يصطحبوا تعليم الوحي  

(((ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً)))

وماذا يا رب لو ركنت إليهم شيئاً قليلاً ؟؟

(((إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً)))

طيب لما لم أركن إليهم هل سيسكتون يا رب ؟؟

(((وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها)))

وهل ستتركهم يا رب ؟؟

(((وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً .. سنة من أرسلنا قبلك من رسلنا ولن تجد لسنتنا تحويلاً)))

فكيف السبيل للتصدي لكيدهم هذا وقد منعتني من التوافق معهم يا رب ؟؟

(((أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً .. ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً .. وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً)))

طيب أعددنا الجيل ودعونا وتضرعنا ، فما الخطوة التالية يا رب ؟؟

(((وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)))

فمن أين لنا بطريقة إزهاق الباطل ؟؟؟

(((وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً)))

فلنبحث إذاً في القرآن

(((ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)))

لكنهم أشد قوة وأكثر عدداً وتقدماً

(((كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)))

ياربنا قد جمعوا شملهم جميعاً في تحالفات كبرى ليرمونا عن قوس واحدة

(((الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل .. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم .. إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين .. ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئاً)))

سيحاصروننا اقتصادياً حتى نموت قبل أن نحاربهم

(((وفي السماء رزقكم وما توعدون .. فورب السماء والأرض إنه لحق مثلما أنتم تنطقون)))

لكننا نُبتلى يا رب بلاءً شديداً ويُذيق بأسنا بأس بعض

(((ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب)))

وهكذا في آيات كثيرة جداً لو تدبرها المؤمن بقلبه لوجد الإجابة على كل المعضلات السياسية والاجتماعية وغيرها بأنصح بيان وأوضح برهان ، قاطعة مجلجلة تأخذ بالألباب وتحلق بالإنسان في سماوات الإيمان ، بعيداً عن سفسطات السياسيين التي تزيد القلوب قسوة إلى قسوتها

ولو استرسل المرء لما توقف إلا بعد ربط القرآن بأكمله في سياق واحد ، حيث لكل حجة رد ، ولك سؤال إجابة ، بل ولكل رد وإجابة موقف عملي تطبيقي في سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم

ولكن أكثر الناس لا يعلمون

((منقول))




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق