الخميس، 2 يونيو 2011

الصبر على المحن الراهنة في ظلال القرآن -- كلام ثمين جدا



ولابد من تربية النفوس بالبلاء , ومن امتحان التصميم على معركة الحق بالمخاوف والشدائد , وبالجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات . .

لا بد من هذا البلاء ليؤدي المؤمنون تكاليف العقيدة , كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكاليف ..

والعقائد الرخيصة التي لا يؤدي أصحابها تكاليفها لا يعز عليهم التخلي عنها عند الصدمة الأولى ..

فالتكاليف هنا هي الثمن النفسي الذي تعز به العقيدة في نفوس أهلها قبل أن تعز في نفوس الآخرين ..

وكلما تألموا في سبيلها , وكلما بذلوا من أجلها . كانت أعز عليهم وكانوا أضن بها ..

كذلك لن يدرك الآخرون قيمتها إلا حين يرون ابتلاء أهلها بها وصبرهم على بلائها . .


إنهم عندئذ سيقولون في أنفسهم: لو لم يكن ما عند هؤلاء من العقيدة خيرا مما يبتلون به وأكبر ما قبلوا هذا البلاء , ولا صبروا عليه . .

وعندئذ ينقلب المعارضون للعقيدة باحثين عنها , مقدرين لها , مندفعين إليها . .وعندئذ يجيء نصر الله والفتح ويدخل الناس في دين الله أفواجا . .


ولابد من البلاء كذلك ليصلب عود أصحاب العقيدة ويقوى ..


فالشدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة ; وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا تحت مطارق الشدائد .

والقيم والموازين والتصورات ما كانت لتصح وتدق وتستقيم إلا في جو المحنة التي تزيل الغبش عن .العيون , والران عن القلوب .


وأهم من هذا كله , أو القاعدة لهذا كله . . 


الالتجاء إلى الله وحده حين تهتز الأسناد كلها ..


وتتوارى الأوهام وهي شتى , ويخلو القلب إلى الله وحده . لا يجد سندا إلا سنده ..


وفي هذه اللحظة فقط تنجلي الغشاوات , وتتفتح البصيرة , وينجلي الأفق على مد البصر . .

لا شيء إلا الله . . 
لا قوة إلا قوته . .
لا حول إلا حوله . .
لا إرادة إلا إرادته . .

لا ملجأ إلا إليه . .

 وعندئذ تطمئن الروح التي آمنت بربها ، وتعلو النفس وتسموا بخالقها

 والنص القرآني هنا يصل بالنفس إلى هذه النقطة على الأفق

 (( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ))

 هؤلاء هم الصابرون .. الذين يبلغهم الرسول الكريم بالبشرى من المنعم الجليل .. وهؤلاء هم الذين يعلن المنعم الجليل مكانهم عنده جزاء الصبر الجميل: أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون

 صلوات من ربهم يرفعهم بها إلى المشاركة في نصيب نبيه الذي يصلي عليه هو وملائكته سبحانه .. وهو مقام كريم .. ورحمة .. وشهادة من الله بأنهم هم المهتدون .. وكل أمر من هذه هائل عظيم 

 إن الله يضع هذا كله في كفة ، ويضع في الكفة الأخرى أمرا واحدا : صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون 

 إنه لا يعدهم هنا نصرا ، ولا يعدهم هنا تمكينا ، ولايعدهم هنا مغانم ،ولا يعدهم هنا شيئا إلا 
صلوات  .. الله ورحمته وشهادته

لقد كان الله يعد هذه الجماعة لأمر أكبر من ذواتها وأكبر من حياتها ..

 فكان من ثم يجردها من كل غاية ، ومن كل هدف ومن كل رغبة من الرغبات البشرية ، حتى الرغبة في انتصار العقيدة ، كان يجردها من كل شائبة تشوب التجرد المطلق له ولطاعته ولدعوته 

كان عليهم أن يمضوا في طريقهم لا يتطلعون إلى شيء إلا رضى الله وصلواته ورحمته وشهادته لهم بأنهم مهتدون..

 هذا هو الهدف ..

 وهذه هي الغاية ..

 وهذه هي الثمرة الحلوة التي تهفو إليها قلوبهم وحدها 

 فأما ما يكتبه الله لهم بعد ذلك من النصر والتمكين فليس لهم ؛ إنما هو لدعوة الله التي يحملونها 

 إن لهم في صلوات الله ورحمته وشهادته جزاء  ..

 جزاء على التضحية بالأموال والأنفس والثمرات ، وجزاء على الخوف والجوع والشدة ، وجزاء على القتل والشهادة ..

 إن الكفة ترجح بهذا العطاء فهو أثقل في الميزان من كل عطاء ..

 أرجح من النصر ، وأرجح من التمكين ، وأرجح من شفاء غيظ الصدور ..

 هذه هي التربية التي أخذ الله بها الصف المسلم ليعده ذلك الإعداد العجيب ، وهذا هو المنهج الإلهي في التربية لمن يريد استخلاصهم لنفسه ودعوته ودينه من بين البشر أجمعين ..

 إنا لله .. كلنا .. كل ما فينا .. كل كياننا وذاتيتنا .. لله .. وإليه المرجع والمآب في كل أمر وفي كل 
مصير

----------
انتهى كلام سيد قطب رحمه الله وأنقل لكم تعليق أحد الإخوه للإفاده ..

هذا هو الفرق بيننا وبين الصحابه ،
 أنهم لما صاغهم القرآن هذه الصياغة وكان هدفهم هو رضوان الله ، ومات منهم من مات على طريق 
الرضوان هذا : مكن الله لدعوتهم ..

أما نحن فلو كان مجرد التمكين هو هدفنا الأعظم : فإنه سيبقى الخلل في شخصيتنا ، وتتحول خدمة الدين إلى مآرب شخصية لتحقيق مجد شخصي من التمكين

وما كان التمكين هدفاً قط ، ولم يذكر الله في كتابه ولا الرسول في سنته أن التمكين هدف ..وإنما التمكين هو للدعوة يمن الله به متى رأى أن عباده يعملون لنيل رضاه

نحن نعمل طلبا لرضى الله الذي أمرنا بالعمل ..نحمل الرسالة التي وصلتنا ، ونحافظ عليها نقية كما وصلتنا ، ونسلمها للجيل الذي يلينا نقية كما وصلتنا

وكل هدفنا من هذا العمل هو الفوز برضى الله..

 (( مُكن لنا أو لم يُمكن ليس هذا يشغلنا ))



Description: https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjQtbFFpR-Ppn_6L9pJDVtyhXTKB_9SxDp-4XCPWi6RJDYWnJpp2H6EAIn96tzbEGLoYthAnddz0RT3mUZScqOrYRYfqG6xVMHXx4WFp_AlRQ6eibWiWDLQcoooatwFgYieqSVh-ugNuCSB/s320/PTCaptureOut6.bmp


هناك 4 تعليقات:

  1. رحم الله صاحب الظلال :)

    ردحذف
  2. لذا كان يقف أبو عبيدة بن الجراح رضى الله عنه على صفوف الجيش يقول ... استبدلوا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات سبحان الله رأوا مقاصد العبادات لا صورها فكان لهم من الله ما كان لهم

    ردحذف
  3. كلام أكثر من رااااااااااااااااااائع ويمس الفلب.
    وفيه حكمة وعمق، فمنا من ينسى أن الإسلام هو قضية حياتنا الكبرى، وينشغل بتوافه القضايا، ويجزع لصغائر الأمور.
    ولكن هذا هو الإنسان.
    جزاكم الله خيرا

    ردحذف